"فلسفة المكان "الجزء الأول
- جيهان الكردي
- Mar 21, 2020
- 1 min read
منذ مغادرتي لوطني الحبيب وموضوع المكان يشغل حيزًا من فكري، لا ينفكّ يظلُّ حاضرًا كلما وجدتُ مكانًا آلف إليه، وبسرعة أعزو سبب هذه الألفة وهذا الطيف الشعوري الدافئ بأن هذا المكان يشبه مكانًا آخر في سورية وأحيانًا كثيرة أتذكر مكانًا بعينه، وأعود لأفكر ترى لماذا نرتبط كل هذا الارتباط بالمكان؟ لماذا نحنّ إليه ونشتاق له وكأنه شيء له إحساس وروح؟ ولماذا نفرّ منه _رغم عشقنا له_ إذا فقدنا الإحساس بالأمان؟ لمَ يبقى هذا المكان الأول مكان الأماكن، وإحساس الأحاسيس ووطن الأوطان؟ ولو ذهبنا إلى أقاصي الدنيا شرقًا وغربًا لن نهرّب ذاك الفراغ المحدق بالشوق للمكان الذي ترعرع صبانا فيه.. ولكن بعد معايشة أماكن جديدة تطبع أيضًا في ذاكرة الأحاسيس مكانًا جديدًا لها، نحاول أن نعوض عن المكان الأول بعلاقة جديدة مع المكان الحالي، ونبدأ بوضع لمساتنا فيه، وذكرياتنا، قد نذرف دموعنا وقد نضحك بصوتٍ عالٍ، وربما نحلم بما هو أفضل من هذا المكان إن كان لا يحقق لنا الراحة والاستقرار، فنختار الرحيل، لتبدأ من جديد أعراض مشابهة لأعراض الرحيل الأول، مشاعر متناقضة، وأحاسيس تتدافع، وتمر تفاصيل المكان عبر شريط الذكريات، وما هي إلا فترة لتبدأ علاقة جديدة مع المكان الجديد، الإنسان لا يستطيع العيش دون أن يخلق روابط، دون أن ينشئ علاقات مع ما حوله، رغم أنه يعرف جيدا بأنها علاقات لا تدوم، وأنها قد تسبب له ألم الحنين، لكنه يستمر ويرتبط بكل كيانه حتى مع الشجرة التي قرب منزله، ومع الحائط ومع فراشات الطريق. ذاكرة المكان جزء منا من حياتنا على هذا الكوكب، وهي حاضرة في الأدب بقوة، وفي الغناء أيضًا حين غنى عبده: الأماكن كلها مشتاقة لك...، وغنت فيروز الكثير من الأغاني عن أماكن بعينها، ولكن أكثر مقطع أحببته حين غنت: عندي بيت وأرض صغيرة فأنا الآن يسكنني الأمان....

Comments